قصة الامام الترمذي الذي وهب بصره في سبيل جمع الحديث
أبو عيسى محمد الترمذي، المولود سنة 209هـ الموافق 824م والمتوفى سنة 279هـ الموافق 892م، من أعلام الحديث_النبوي وأحد الأئمة الست للحديث النبوي، بكتابه الشهير "سنن الترمذي".
▪النشأة والرحلات العلمية:
كغالب العلماء في زمانه، فاسمه منسوب إلى موطنه ببلدة ترمذ، التي تقع اليوم على مجرى نهر جيحون بالجهة الشرقية لجمهورية أوزبكستان حاليا.
وقد ولد في إحدى قرى مدينة ترمذ تسمى (بُوغ)، وقضى طفولته بها، ومن ثم ارتحل إلى خراسان طلباً للعلم، وأعقب ذلك بالسفر إلى العراق والحجاز، لكنه لم يزر مصر والشام، بخلاف ما هو سائد في زمانه.
وقد عاش في القرن الثالث الهجري إبان الدولة العباسية، وذلك القرن كان قرن الحديث النبوي بلا منازع، حيث ظهر فيه علماء_الحديث الذي بذلوا جهداً في جمعه، وأبرزهم البخاري إلى مسلم إلى الترمذي و ابن_ماجه و النسائي و أبو_داود.
▪علاقته بالبخاري وصفاته:
تفقه الترمذي على شيخ الحديث الإمام البخاري، الذي عاصره، وبذل في جمع الأحاديث عن المحدثين، وعمل على تصنيف كتابه "سنن الترمذي".
وقد بلغ مبلغاً يذكره التاريخ في الإتقان في عمله، كذلك ضرب به المثل في الحفظ، ويعلم أن علم الأحاديث كان يتطلب هذه المهارة التي نجدها عند جل علماء الحديث وهم يتنقلون بين البلدان في مهام لم تكن بالسهلة في زمن كانت الحياة فيه ليست كاليوم.
وقد وصفه ابن حبان وهو من علماء الحديث الذين عاشوا في نهاية القرن الثالث والرابع الهجري، بأنه "كان من الأئمة الستة الذين حرسوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبحت كتبهم في عالم السنة هي الأصول المعتمدة في الحديث، ومن الذين نضّر الله وجوههم لأنه سمع حديث رسول الله فأداه كما سمعه".
وقيل إنه لما مات البخاري صار هو العالم في خراسان الذي يشار إليه، ويروى أنه بكى كثيراً على موت البخاري، وقد توفى البخاري في 870م قبل وفاة الترمذي بـ22 سنة.
ويروى الترمذي نفسه أن الإمام البخاري قال له وقد تفقه عنه: "ما انتفعتُ بك أكثر مما انتفعت".
▪سنن الترمذي:
بعد أن ألف كتابه الجامع أو السنن كان قد عرضه على علماء زمانه ممن تيسر له في الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به.
وقال الترمذي – نفسه - عن مؤلفه هذا: "من كان هذا الكتاب في بيته، فكأنما في بيته نبي يتكلم"..
وهو دليل على الثقة والفخر بما أنجز من عمل، وقد كان معتزاً بمنجزه هذا وأن الفقهاء أخذوا به.
ويبلغ عدد أحاديث الكتاب 3956 حديثاً، وتضمن الحديث مصنفاً على الأبواب، والفقه، وعلل الحديث، ويشتمل على بيان الصحيح من السقيم وما بينهما من المراتب.
كذلك اشتمل على الأسماء والكنى، وعلى التعديل والتجريح، ومن أدرك النبي ومن لم يدركه ممن أسند عنه في كتابه، وذكر من روى ذلك.
وقد قال ابن رجب الحنبلي عن هذا الكتاب: "اعلم أن الترمذي خرج في كتابه الصحيح والحسن والغريب، والغرائب التي خرجها فيها بعض المنكر، ولا سيما في كتاب الفضائل، ولكنه يبين ذلك غالبا، ولا أعلم أنه خرج عن متهم بالكذب، متفق على اتهامه بإسناد منفرد، نعم قد يخرج عن سيئ الحفظ ومن غلب على حديثه الوهن، ويبين ذلك غالبا، ولا يسكت عنه".
▪مؤلفات أخرى:
ألف الترمذي بالإضافة إلى كتاب السنن الذي يعرف بـ"جامع الترمذي" كذلك، العديد من المؤلفات، تطرق ابن كثير إلى بعضها بقوله: "الترمذي أحد أئمة الحديث في زمانه، وله المصنَّفات المشهورة، منها: "الجامع"، و"الشمائل"، و"أسماء الصحابة"، وغير ذلك ".
ومن أبرز كتبه الأخرى بعد السنن كتاب "الشمائل المحمدية" الذي يعتبر من مراجع السيرة النبوية، وقد ذكر فيه الترمذي أوصاف النبي، وبيّن الشمائل والأخلاق والآداب التي تحلى بها للتأسي به سلوكاً وعملاً واهتداءً، فقسمه إلى 55 باباً، وجمع فيه 397 حديثاً.
الكتاب الثاني هو "علل الترمذي الكبير"، وهو عبارة عن عدة أحاديث يرويها الترمذي بأسانيده، ثم يعقبها بالحكم على كل حديث منها إما بكلامه وإما بكلام شيوخه الذين يذكرهم، وقد كان النصيب الأوفر من الحكم على هذه الأحاديث من نصيب الإمام البخاري، وقد بلغت نصوص هذا الكتاب 484 نصا مسندا، وقد تم تنقيحه في "ترتيب علل الترمذي الكبير".
وهناك كتاب "العلل الصغير" وهو ملحق بسنن الترمذي، جمع فيه الأحاديث المعللة على ترتيب الأبواب الفقهية، وبيّن فيه علة كل حديث.
وللترمذي مؤلفات أخرى منها ما هو مفقود، ومن هذه المؤلفات عامة: "الزهد"، "كتاب التفسير"، "كتاب التاريخ"، "كتاب الأسماء والك
▪إصابته بالعمى وموته:
وقد رحل الترمذي عن العالم ضريراً، حيث أصيب بالعمى في مرحلة متقدمة من عمره، جراء حب العلم والقراءة والكتابة المتواصلة.
وليس صحيحاً أنه ولد أعمى كما يرد في بعض القصص عنه، وقد رحل في 13 رجب 279هـ، في البلدة نفسها التي ولد بها ترمذ.
كلمات مفتاجية/
الترمذي، البخاري، مسلم، الحديث، السنة.
تعليقات
إرسال تعليق